منشورات الفنك, الدار البيضاء 1990 | سحب وتعديل جمال حتمل | 208 صفحة | PDF | 3.64 MB
http://www.4shared.com/office/KXktM6iJce/__-__.html
or
http://www.mediafire.com/view/44ju4er875pq8e3/أحمد_بوزفور_-_تأبط_شعرا.pdf
حين يذكر احمد بوزفور ينصرف الناس بأذهانهم نحو عمارته الإبداعية وخصوصا جنس القصة القصيرة، التي بذل لأجلها أحشاءه وكبده، كي يبقي لها دهشتها الواسعة ووهجها المتقد، محترفا الألفة والصيد في الأقاصي والخوافي والدواهي من ملمات الذات والوطن والكتابة وسؤال الإبداع ، رغم أنه ظل ينشر أدبه العالي بحذر المتحوط من الإسهال، ولم يتجاوز في عمره القصصي الذي يربو على الأربعين عاما أكثر من أربع مجموعات في فترات متباعدة وهي:
النظر في الوجه العزيز – الظاهر و الغابر - صياد النعام - ققنس
وظلت جميعها تسيل مداد النقد في المغرب وخارجه ، لأن هويتها السردية اختارت الاختلاف، وأصرت على مكر الطرح الفني ومفارقاته في أقصى الوحشة عن ظهر قلب وقلم..
فضلا عن الذي أسلفنا إليه يمتلك أحمد بوزفور وجها معرفيا ونقديا آخر، يعكس أستاذيته ومراسه الأكاديمي بالنصوص وتحولاتها وأسرارها. حيث أصدر كتابين نقديين، يتعلق الأول بقراءة نقدية لشعر تأبط شرا، وهي في الأصل رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا .
والكتاب الثاني الزرافة المشتعلة التي تضم نصوصه النقدية في القصة القصيرة وتنظيراته لها، فضلا عن قراءاته لمجموعات قصصية عاصره أصحابها، وكذا حواراته مع ثلة من القصاصين الشباب.
—أحمد بوزفور ناقد الشعر العربي القديم
1- جهاز القراءة في كتاب طتأبط شعرا” 1
توسل احمد بوزفور في قراءته لعالم تأبط شرا الشعري جهازا جماليا استقى ذخيرته من مظان منهجية شتى، من الأسلوبية ومناهج التحليل اللساني في التمييز بين المستويات وتفكيك عناصرها ومناهج التحليل البنيوي للنصوص من أجل ضبط شبكة العلاقات الرابطة بين العناصر والمستويات. معدلا أدواته المنجية فاتحا متن الشاعر قصد فهمه مستفيدا من ” كتب الاختصاص العربية وعلمائها الكبار كابن جني وحازم وابن منظور في المستوى الصوتي و المعجمي .. وكعبد القهار في المستوى التركيبي وكالجاحظ في المستوى الدلالين واستعنت على فهم الخلفية الجغرافية والاجتماعية والأسطورية بمعاجم البلدان وكتب التاريخ والأنساب والعادات والأساطير .” 2
ويقع الكتاب الذي صدر عام 1990 في مائتي صفحة من القطع المتوسط، وقد اقتضت قضاياه وظواهره تقسيمه على أربعة فصول ممهدة بمدخل يبسط أهمية الشعر الجاهلي و قيمته الفنية في الأدب العربي والثقافة العربية، إذ هو الجذر الذي يسري في نسغ مختلف الخطابات والنصوص على مستوى الخيال واللغة، ويمثل الهوية النموذجية للذاكرة العربية، لينهي كتابه بخاتمة مركزة تناقش طبيعة دراسته تلك القائمة على أساس الشعرية الثاوية في شعر تأبط شرا لا على قضايا تاريخ الأدب والمرتكزة على تحليل المتن والحفر في ثناياه بوصفه جنسا أدبيا ذا نزوع فني خاص .
وقد بدأ في استكشاف جمالية الشعر عند تأبط شرا من المدخل الإيقاعي، فرأى إليه من بعده السمعي، فقد بدأ الشعر إنشادا يمتلك طاقة صوتية هكذا كان التكرار، الذي يشمل جرس الحروف والقافية والوزن والتنوع.
فاكتشف بواسطة التكرار أن جمالية الشعر لديه تنبني على تكرار الحروف المتواترة من خلال حروف بعينيها، وتنوع الموقع الصوتي لها أو تنوع حروف مختلفة الوقع.
في حين أن تكرار الكلمات يتميز بالتناظر بين العام والخاص والمبهم والمحدد . ذلك أن التكرار بالنظر إلى العلاقة بين الدال والمدلول قد يتكون متطابقا أو جناسا ذاتيا أو استبداليا.
أما رؤيته المنهجية للقافية في المستوى الإيقاعي فقد بدأ في بسط عناصرها عند الخليل وحازم القرطاجني والأخفش والفراء والكوفي أبو موسى، فحصر قافية الصوائت و قافية الصوامت في ديوان الشاعر، محددا أنواعها فقرر أن القافية في” شعر تأبط شرا لا تقتصر على التكرار ( اللازم ) في أواخر الأبيات لحروف الروي وحركات القافية، بل يتسع مداها الصوتي ويتنوع بأجراس داخلية أخرى ” 3–
ومنها التصريع رغم أنه لم يصرع في نصوص ديوانه الستة والأربعين المطلع إلا أربعة منها.
ما يفسر انه لم يسر على نهج الشعراء الجاهليين إحساسا منه أن ما تجيش به نفسه من ثورة يلزم أن يظهر على أشعاره، رغم أن الخصائص الفنية في الإيقاع والتركيب والدلالة في شعره تضعه في قلب دائرة التقاليد الفنية الجاهلية.
أما الوزن فتواتره في شعر تأبط شرا يمس ستة أبحر ( الطويل – الوافر – الكامل - البسيط – المتقارب – الرجز.) مع هيمنة مطلقة للبحر الطويل الذي استأثر بست وعشرين قصيدة.
كما انتبه بحس جمالي دقيق إلى أن المستوى الإيقاعي – الصوتي لا ينبني وفقط على التكرار رغم وظائفه المتمثلة في إثارة الجو الأسطوري والربط والتماسك في البناء ، بل إن رتابته الآلية لو أصبحت كذلك مكررة لهيمنت الرتابة واضمحل الإيقاع، وكذلك نطالع المستوى الصوتي عند تأبط شرا كما يرى بوزفور يقوم على موازاة التكرار بالتنوع، فاكتشف التنوع في جرس الحروف في وصف الأصوات بين مجهور ومهموس وفي المقاطع، كما رصد التنوع في القافية بين القوافي الداخلية والخارجية وحروف الروي وصيغة القافية. ثم ختم الفصل الأول بالتساؤل حول حقيقة وجود بنية قائمة التجديد في إيقاع شعر تأبط شرا فما يهيمن في جرس الحروف هو روي اللام ما يدعو لطرح أسئلة حول :
1- وظيفة روي اللام ودلالته
ولذلك ينهض إشكال ربط حرف روي معين وشاعر معين فنقول( لام الشنفرى وميم عنترة وراء النابغة وباء علقمة ودال عبيد ) وهي الحروف الغالبة على روي هؤلاء الشعراء في دواوينهم ويكتشف بوزفور أن اللام صوت منحرف ليس انفجاريا شديدا ولا احتكاكيا رخوا.
صائت الكسر : اكتشف هيمنتها حيث انتبه إلى عراقة استعمالها عند قبائل بعينها ، رغم أن أهل الحجاز لا يميلون، فخلص إلى أن الكسر / الإمالة عنصر مشحون بالطاقة الفنية والنفسية معا.
2- البحر الطويل ينسجم مع هيمنة البحور المركبة في الشعر الجاهلي .
وفي الفصل الثاني قارب المستوى المعجمي وعيا منه بموقع المعجم في مستويات اللغة كالفونيم فالكلمة والجملة واللغة الشعرية خاصة( الإيقاع والتركيب والدلالة) وسعى لحصر تردد الكلمات الأساسية ومرادفاتها وما يجعلها موضوعاتmots/theme أو مفاتيحmots-clefs قصد رصد الحقول الدلالية واكتشاف الموضوعات الملحة.
فقد استخرج من معجم مفهرس لألفاظ تأبط شرا الموضوع / الهاجس المتميز عن باقي الموضوعات بكثافة التواتر ووضع جدولا لذلك التواتر.
كما وضع فهرسا للقبائل والأعلام والأمكنة، و قارب من المنطلق نفسه المستوى المعجمي بقراءة ركزت على بنية الكلمة في المعجم،وبينة الاسم العلم والوظيفة الشعرية للموضوع/ الهاجس. 4
وتتعلق الفهارس بخصوصيات الخطاب وبيئته العصرية والشاعر فخلص إلى أن معجم تأبط شرا يتميز برغبة ملحة في عدم الاستقرار ، حيث إنه ملتفت أبدا ومتنقل أبدا، مزدوج أبدا، ويطغى باستمرار الموضوع / الهاجس( الجري /العدو / النجاء) إننا نحس كل شيء يعدو الضباع والنعام والخيل والطير والحرباء والطيف حيث إنه لا يستقر دائم الحركة.
وفي الفصل الثالث تناول البنية التركيبية فتطرق إلى الأشكال المختلفة لمفهوم التركيب، فوسع من مفهومه وأغناه كما هو متعارف عليه في الدراسات الأكاديمية للشعر. فقارب في التركيب النحوي صياغة الجملة من حيث عناصرها وترتيبها والعلاقات الناجمة عن هذا التركيب، فاكتشف صيغة حضور الضمائر والأفعال و أنواع الجمل وصلة هذه الاختيارات اللغوية بالضرورة الشعرية التي رأى إليها من جانب النحو باعتبارها خروجا لتأبط شرا على الاستعمال المطرد في اللغة بما هو اضطرار أو عجز “في مقابل وجهة النظر الأسلوبية التي تعتبر الضرورة أقوى مظهر للإرادة الشعرية، وفيها تتجلى روح الأديب وفرديته، وبها يظهر المعنى الذي يدور عليه النص الأدبي باعتباره كلا متكاملا.وإذا كان هناك معنى ينبغي أن تؤخذ عليه الضرورة ” 5
ويختم فصلة بالتأكيد على أن التركيب النحوي في شعر تأبط شرا، يتميز بالمزج والتحويل: مزج الضمائر بالأزمنة وأنواع الجمل، وتحويل بعضها إلى بعض وتضمين بعضها بعضا.
ويتميز بمناخ القلق والتردد والشك الذي يفرزه استعمال خاص للأدوات ويتميز بالخروج الشعري عن النظام اللغوي كما قعده النحاة، أي أنه بشكل عام يتميز بالحركة المستمرة بين الأطراف على صعيدي النحو والدلالة معا”6
وفيما يتصل بالتركيب البلاغي بادر الباحث إلى فحص اشتغال الصورة الفنية فأخرجها من التناول السائد الذي ظل يقصرها على التشبيه والاستعارة، فأوضح أن الصورة اليوم تغتني بالخيال كي نرتقي إلى أن تكون علاقته- كي تخلق إدراكا خاصا للشيء- بين عناصر العالم المتخيل في الخطاب الشعري تتميز في شعر تأبط شرا ب :
1- تقابل طرفيها : العلاقة الغالبة بين أطراف الصور الشعرية في ديوان تأبط شرا هي التقابل (كالتشبيه والاستعارة والطباق والتجاور أحيانا كالمجاز والصور الواصفة والكناية)
2- نمطية الصورة
وتتميز خارطة الصور الشعرية في ديوان تأبط بنوع من الصور يمكن أن يمكن أن نسميها ” الصور المفاتيح ” وهي تلك الصور التي تتكرر أطرافها أيا كانت العلاقة بين هذه الأطراف تقابلا أو تجاورا”7
ومنها مثلا صورة الموت / الإنسان و الموت / الضاحك وصورة الإنسان / الوحش وصورة الغول/ الوحش يقول بوزفور : ” إن الإنسان في الصور يسكن الجاهلية يسكن المشبه غالبا، بينما تسكن الطبيعة وحيواناتها المشبه به” 8
وكذلك يفعل تأبط شرا، وقد قاد بحث بوزفور عن الصورة البلاغية إلى اكتشاف سمات أخرى للصور في شعر الشاعر منها:
- وظيفية الصورة : ومن ميزاتها حذف الموصوف والاكتفاء بالصفة.
- صوتية الصورة: أو التصوير بالصوت، ويتجلى في الصورة السمعية والتجنيس والرمزية الصوتية.
- حركية الصورة: أو التعبير بالحركة وفي ذلك يقول بوزفور:” يبث تأبط شرا الحركة في كل ما يبدع من صور، إلى الحد الذي تصبح معه هذه الحركة دالا آخر، يدعم الدال الأيقوني للصوت ، والدال الاعتباطي للوضع، في الإحاطة بالمدلول وإبلاغه والإيحاء به”9
وقد تلقى الشعراء بعده في العصر الأموي كثيرا من بلاغته وصيغ استثمار الصور البلاغية.
وفي التركيب الشكلي حاول الباحث الاقتراب من دينامية الشكل في شعر تأبط شرا وتفاعل عناصره منطلقا من مسارين متعادلين الأطراف هما:
وحدة التنوع وتنوع الوحدة: إذ كان وكده الوفاء للهوية الداخلية من جهة ولصيغته الخارجية ذات الصلة بالمحيط الخارجين، وهي المفسرة لحركية الشكل وتفاعل عناصره.
ففيما يتعلق بوحدة التنوع رصد الباحث ثنائية البيت والقصيدة، فاكتشف الوضع الاعتباري للبيت من حيث استقلاله، وهو ما ترتب عنه :
تفشي الإقواء في الشعر القديم.
الاحتفاء بالأبيات المفردة ( سوائر الأمثال )
غير أن هذا الطرح يصطدم بالتضمين من جهة ، وإشكال الشاهد الذي يتم تلقيه من خلال المنظور اللغوي والنحوي.
ثم انتقل إلى ثنائية المقطوعة / القصيدة حيث سعى إلى اكتشاف صيغة إبداع المقطوعة ووصف ممتلكاتها الدلالية والدالية من حيث عدد الأبيات والموضوع وخطابها والشعري، التي تتراوح في شعر تأبط بين الكثافة والعمق والشمولية والتعدد في مستويات الصور والإيقاع والنفس الشعري.
غير أنه يذهب إلى أن المقطوعات أنواع فمنها الجزئية والمرهصة والصغيرة الحجم ما يجعل أن بعض المقطوعات ما هي إلا قصائد منقطعة أضاعت درها.
أما فيما يتعلق بالقصيدة فإن الباحث يرى أنها تتعلق ب:
التنوع على مستوى الفضاءات والتعدد في الموضوعات.
والدينامية المفضية والفعل والانفعال في الفضاءات.
التفاعل بين الصور والموضوعات.
كما يطغى فيها على غرار غيرها حافز يتخذ أشكالا مختلفة: الجري والنجاء والهرب ،المرتبطة بتواصله مع عالمه المر( الصعلكة) ،التي تعبر عن ثقافة وقيم وثقافة وقيم وتصور جاهلي للعالم.
أما المسار الثاني المتعلق بتنوع الوحدة فقد انصب بحثه على نقطتين أساسيتين. ترتبط الأولى ب:
أ - القصيدة والشاعر: تكشف القصيدة المفضلية لتأبط شرا عن صلتها بغيرها من قصائده، وهو ما يمكن أن نسميه بشعرية تأبط شرا، التي تضمر بنى وقوانين فنية تكمن في خلفية كل نص وتنتجه” 10
ويوضح الباحث أن أمر تفسيره يتم من خلال:
قانون مركزية الذات:
ما يعني حضور ضمير المتكلم عاملا بانيا مهيمنا في ذلك و إدخال الاسم العلم للشاعر في القصيدة المتحاور مع الضمير أو الأسماء المستعارة له أو اللقب.
1- قانون القفر: الشاعر وباستمرار أليف القفر وأنيس اليعافير والغيلان والضباع والنعام.
2- قانون العدو:
يقول الشنفرى :
لاشيء أسرع مني ليس ذا عذر***** وذا جناح بجنب الريد خفاق
هذا العداء الأسطوري هو تأبط شرا، إذ كل الموجودات في شعره التي تشاطره ألم الصحراء والخصاصة تعدو: الأركان والأطياف ، في حين ترتبط الثانية ب :
ب - القصيدة والعصر
فاكتشف أن القصيدة في شعر تأبط شرا تتواشج بصلات خارج نصية مع الشعر الجاهلي، وكانت هذه الفكرة دافعا للتفكير في توسيع تلك الصلات بين القريض الجاهلي ، غير أن مشاق عمل كهذا فوق طاقة الباحث، فاكتفى بالصلات التالية التي تشده إلى قرنائه الصعاليك:
موضوعة النعل التي تمثل وسيلة أساسية في تجربة الهرب والنجاء، ولشعراء الصعاليك ومنهم الشنفرى أبيات في هذا، ما جعل الباحث يتساءل :
هل النعل هي ناقة الصعاليك؟
فضلا عن موضوعة العدو التي مرت معنا سلفا أهميتها ودورها في حياته اليومية.
أما على مستوى التفاعل النصي بينه وبين غيره، فقد اختار الباحث مقارنة القافية المفضلية لتأبط شرا:
يا عيد مالك من شوق وإيـــــراق ********* ومرِّ طيف على الأهوال طراق
يسري على الأين والحيات محتفيا ********* نفسي فداؤك من سار على ساق
مع قصيدة الشماخ بن ضرار في مدح الألوسي:
ماذا يهيجك من ذكر ابنة الراقي *********** إذ لا تزال على هم وإشفاق
قامت تريك أثيث النبت منســــــدلا ********** مثل الأساود قد مسحن بالفاق
فاكتشف العلاقات الجزئية بين القصيدتين:
- القافية والروي
وقع الحافر على الحافر في أبيات متماثلة على المستوى الوجداني والثناء على الإنسان المثالي وبروز صورة ضمير المتكلم
تعدد الفضاءات وتفاعلها في خضوع ظاهر لهيمنة عامل بانٍ.
وخلص في الأخير إلى أن الشكل عند تأبط شرا ليس تعبيرا فرديا عن تجربة خاصة بقدر ما هو تحقيق وإنجاز لنظام بنائي جاهلي يكمن في قرارة أغلب القصائد الجاهلية الكبرى” 11
وسعى البحث في الفصل الرابع إلى مقاربة بنية العالم المتخيل لدى الشاعر مشيرا من خلال رصد التصورات والأفكار والقيم التي يصدر عنها الشاعر بشعور أو بدون شعور، إذ لا يكفي الوقوف عند المستويات الصوتية و اللغوية ، بل لا مندوحة من إدراك عالم تأبط شرا الشعري من خلال الكشف عن بنية المتخيل الذي تنسجه مستويات التحليل الآنفة ( التركيب – الإيقاع – المعجم ..) ومن المرجعية الثقافية التي تصدر عنها ، وقد اهتدى الباحث إلى وصف العالم المتخيل للشاعر من خلال المداخل التالية : الماضوي – الغيبي – الجسدي – الشفوي - الحركي – الجماعي.
** فالعنصر» الماضوي : «
يعكس صلة تأبط شرا بالماضي بكل رموزه، إذ هو أفقه وحلمه ومثله الأعلى الذي ينشده، فصورته الفنية مشدودة بعبق الماضي ومتشبعة بسيرة الأشياء، ذلك أن القصيدة وبمجمل أغراضها تفتخر بما كان وبما تم، أو نحو التأسي بما سيصبح عليه حاضره حين يعود ماضيا. وجدير بالذكر أن الماضوية تكاد تكون ملمحا ثقافيا من ملامح الشعر الجاهلي ككل حيث يتسم بجزر مزدوج:
جزر القارئ الذي يعود به النص إلى ما ض ثقافي.
جزر الشاعر نفسه الذي يفتتح قيدته غالبا بعنصر آني حاضر سلبي:
( الأطلال- الفراق- الشيب… الخ) ثم ينحسر إلى الماضي الإيجابي ليغرف منه المتع والحياة”12سأسيأ
ولعل التصور الفطري للشاعر الجاهلي للحياة والموت هو ما يربط الشعراء وجدانيا بالماضي، ولذلك لم يكن الشعر الجاهلي يعبر عن عصره بقدر ما كان يعبر عن احتجاج المنسحبين من عصره، إنه شعر الغروب لذلك يمجد أيام كانت حدود الحرية أوسع ، ويستشهد بيت لأوس بن حجر:
إذ الناس ناس والزمان بعزة ***** وإذ أم عمار صديق مساعف
**أما العنصر » الغيبي «:
ويتمثل في الغول / ابنة الجن التي تمثل جانبا خفيا يتلبس بالشاعر حال رسوخه الحر في عالم الصحراء وحيدا لا أنيس له وكلما استوحش أو بدا رأى ما لا يرى، وتوهم الصغير في صورة الكبير وارتاب ، فبرز هذا الإحساس الغيبي المضاد للمجتمع والمقترن بالوحدة والبداوة، وكان يحضر عند الشعراء الذين يرون ملا يرى، وقد تعامل معه الباحث من خلال ثلاثة أشكال:
الغول اللغوية: وتتعلق بمختلف الاشتقاقات من [ غال] ووجد لها بروزا عند غيره من الشعراء في العصر الجاهلي.
الغول العبقرية: ينسب إلى الجن وإليه ينسب الشعر، كل شعر جميل ودقيق ولطيف
وعبقري،وليس هذا بغريب ماداموا يزعمون أن مع كل فحل من الشعراء شيطانا يقول ذلك الفحل على لسانه الشعر.
وقد أنتج الخيال العربي الغول ولكنها تعود فتنتجه: يتيح له عالم الغول الغامض والمتنوع والمختلف وإنتاج ألوان من السرد تتفاعل وتتكامل، وكذلك كان تأبط شرا يصدر في شعره ويشتغل بموضوعة الغول.
** أما العنصر » الجسدي «:
فقد امتاز تأبط شرا على غرار شعراء الجاهلية في التقاط الجسد من المخيال الصحراوي بسبب الوجود القاسي( الصيف ) والشروط الاجتماعية( الحرب ) والخيار الذاتي ( الفقر والصعلكة ) حيث يشتغل على عناصر الزمن لينسج جسد الأفكار والمواقف، حيث تفاصيل الجسد إطار ينبئ عن صور الذات والأشياء واحتفال الحواس كلها بحركة حياة شاملة” كل ذلك تلتقطه في الشعر الجاهلي عين قوية دقيقة طفلة شبقة، وتدخله الوجود الشعري فاعلا في الحواس قوي الحضور في الوجدان يقطر متعة ويذوب صفاء”13
ليخلص إلى أن الجسد عند الشاعر رمز للخصوبة والاستقرار للمقيم والخصوبة والحركة لعناصر الكون المتوترة.
** أما العنصر » الشفوي «:
الشفوية جزء من الشعرية الجاهلية، حيث السياق شفوي يرتبط باللسان إنشادا وأصواتا، ولذلك لا غرو أن تنتشر في الشعر الجاهلي الأقوال والحوارات وصدى الدوي، ولذلك نرى عبر شواهد البحث كيف يعبر الشاعر بلغته عن حركة الأصوات والأقوال بين الشاعر وغيره، أو حتى حين يجرد من نفسه ضميرا فيخاطبها.
** أما العنصر » الجماعي «:
اكتشف الباحث أن ثمة صورتين متباينتين للنموذج الإنساني، تشتغلان في عالم تأبط شرا الشعري:
صورة الإنسان الذي يتعسف الشعاب في الليل وحيدا دون حاجة إلى دليل، الذي يعاشر الوحوش هاربا من الناس أحبابا و أعداء.
هذا الرجل الوحش ليس اجتماعيا وليس حتى إنسانيا، ولكنه مع ذلك قوي في وحشته، نبيل في وحدته.
صورة الإنسان المرتبط بالناس من حوله في كل المستويات الاجتماعية فنراه يأنس بالناس (رفاق أقارب وبني قومه » فهم «وأبناء عمومته » عدوان «ويوضح البحث التاريخي أن تأبط شرا رسم صورة أخرى له هي صورة ” العربي العزيز في قومه، والعزيز بهم، والاجتماعي الذي يصل الأرحام ويحفظها. والرفيق الذي ينقذ رفاقه إذا حوصروا، ويأسى لفقدهم إذا صرعوا. وهي صورة تختلف- كما يبدو– عن صورته الأولى: صورة الرجل الجحيش/المنفرد/الوحش”14
غير أن واقع الصعلكة كما استشهد الباحث برأي الدكتور يوسف خليف يضعنا أمام اختيار الشعراء الصعاليك التخلص من الشخصية القبلية في شعرهم داخل دائرة داخل دائرة الصعلكة كما تخلصوا منها في حياتهم، ومثلما كانوا شخصية فنية شاذة في الشعر الجاهلي كانوا أيضا شخصية اجتماعية شاذة في حياتهم، ويخلص الباحث إلى أن الشاعر الجاهلي منتم، ولكن إلى أسمى وأنبل ما في عشيرته وفي القيم الجماعية، التي يفزع إليها كل أحد وقتئذ فردا أو جماعة.
** أما العنصر » الحركي «:
لقد ساهم هذا المكون في بناء متخيل الشاعر، حيث ضمير المتكلم يعدو في كل الاتجاهات شعرا وهربا من بجيلة أو من الأزد، حيث قوته في قدمه. وهي حركة خصبة لأنها حركة ثأر( روحا وعقلا وجسما ) ما يعني سرعة القرار وسرعة الفعل، ولعل اختلاج شعره بالحركة في كل المستويات معادل لحركة الأشياء والإنسان المطلقة في العصر الجاهلي:
حيث نطالع الإيقاع في تكراره والتنوع ومعجم الجري، و القبيلة والخيمة والمرأة .أمكنة قابلة للحركة واللقاء والفراق حلفا وسفرا وغدرا وصدا، ومثلها نرى المياه والدارات والديار قابلة للحركة. فقد مجدوا المكان المتحرك( الناقة والفرس ) .وعلى المستوى الفني مثل الباحث للحركية من خلال بناء القصيدة، حيث ينتقل الشاعر من غرض لأخر كأن القصيدة رحلة تغير من الطلل إلى الناقة والشعاب والمياه والحيوانات إلى مواقع الحروب والنزال إلى المصارع والضباع والقبور والهام.
وفي خاتمة الكتاب نص الباحث أحمد بوزفور أن الدراسة مقصورة على النصوص الشعرية، لا القضايا أو الأفكار مهتبلا المتن ومجتنبا الأفكار المسبقة، حيث واجه نصوص الشاعر الذي ظل غفلا من النظر النقدي قديما وحديثا، فانتهى إلى :
ثبوت إمكان قراءة الشعر الجاهلي بوصفه شعرا تام الانتماء والتجنيس، لا باعتباره وثيقة تاريخية أو لغوية أو اجتماعية، إذ رغم فائدة هذا النوع من القراءات فضرره كان أكثر، لأنه أشاع أفكارا خاطئة عن الرتابة والجزئية والتفكك في الشعر الجاهلي، ولذلك فحين انكبت الدراسة على نصوص جاهلية محددة، وسبرت أغوارها طبقة بعد طبقة ومستوى بعد مستوى، فقد وقفت على القيم الفنية ومنابع المتعة المتخيلة ما يجعلها تقف ندا للنماذج الشعرية الإنسانية في مختلف العصور.
تصحيح التصور الشائع عن تمرد الشعراء الصعاليك على الجماعة في كل شيء، وحياة وأفكارا وإبداعا شعريا. والثابت أن اختلافهم عن قبيلتهم إنما في القيم والتصورات ونمط الإبداع الشعر، وهذا ليس بدعا من شعراء عصرهم والإنسانية.
إعلاء صورة تأبط شرا العداء الشاعر: عداء قلق متردد في الإيقاع والمعجم والتركيب. ومن ثم تساءل عن : – القيمة التاريخية لأخبار الشعراء الجاهليين في كتب الأدب القديم
- القيمة الفنية: لها باعتبارها نصوصا إبداعية وسردية حافلة بالمجال(أخبار تأبط شرا في كتاب الأغاني).
ثبوت الاختلاف العميق بين علوم الآلة والإنجاز الشعري.
فتح آفاق جديدة للقراءة متعددة الدلالة أفقيا وعموديا وإمكانية بناء شعرية جاهلية ترصد القوانين المنتجة له.
أحمد بوزفور : ناقدا للسرد القصصي
هل القصة زرافة مشتعلة؟
ذاك مسعى كان وكد احمد بوزفور إثباته بما للقصة من أحوال والملكات والطفولة والبحث والمغامرة والتأملات والتلويث والعمق والكبر والامتلاء والقلق واللغة والشك والعدوى والإرباك والاستفزاز والغواية وفوضى العالم وعناصر الخرق والعبث والنشاز والنقص، إذ سعى لتبين معالم نظرية لعبية للقصة عموما والقصة المغربية تحديدا. جاء ذلك المرمى من خلال كتابه الزرافة المشتعلة ( قراءات في القصة المغربية الحديثة )15 : الذي صدر عن منشورات المدارس للنشر والتوزيع عام 2000 بالبيضاء . وقد اقتضت قضاياه و مواضيعه تقسيمه على قسمين مسبوقين بتمهيد كما خصص الربع الأخير في الكتاب لحوارات مع حساسيات فنية جديدة لجيل القصة في تسعينات القرن العشرين..
لقد اضطلع التمهيد برسم معالم الكتاب وضروراته التي شجعت على نشره كقلة الدراسات في جنس القصة القصيرة، إذ هو فرصة تتيح تتبع تجربة أحمد بوزفور وتطورها وتواتر تجربة القصة ونبوغها، كما ألمح إلى مرامي مقالات الكتاب، المختلفة المداخل والمتباينة الأبعاد المتجهة نحو بسط معالم نظرية قصصية محلية في القسم الأول من الكتاب المعنون ب على الطريق. نلمس في هذا القسم المكون من ثمان مقالات هاجس التنظير والتحديد والرصد الشمولي لمفهوم إجرائي للقصة المغربية، إذ حاول بسط عناصر رؤاه و مساراتها، التي سعى إلى اجتراحها منذ مستهل السبعينات حتى اليوم، ولذلك فهذه المقالات رغم تفاوت أزمنة نشرها وتباعدها تكاد تتيح منظورا نسقيا متحركا يمكن من تتبع تجربة الكاتب وتطورها.
فقد وضع اليد على مفاصل تجربته القصصية من خلال مقاله ” مراحل تجربة قصصية ” فانطلق متسائلا حول سبب اختياره للقصة القصيرة دون بقية الأجناس، فاهتدى إلى أن الأمر يعود إلى أن العالم كان دائما في تصوره حكايات، منذ الطفولة كان يعيش بأذنه، وقد قسم تجربته على ثلاث مراحل:
1- مرحلة النظر في الوجه العزيز
وقد ابرز فيه صيغة القصة وانخراطها في الصراع الاجتماعي في سياق الجدل وقتئذ بين الانسياق وبين التأسيس لكتابة لها نسقها الجمالي الفني الجديد، فأو ضح بعد ذلك مصادر تجربته وتصورها المعتمد على :
أ – الخيال المساهم في إنتاج العجائبية واللعب بعناصر الواقع الخارجي.
ب – الذاكرة أحفل بالحيوية .
ج – اللغة التي حرص المبدع على أن يجعلها تهتم بأدواتها وتصقلها، وتلجأ إلى الشعر كتقنية لخدمة السياق، والخروج بها عن مفهومها القديم- الحكاية – ومن لغتها القديمة- الإبلاغ –لكي تسلس الخشن وتشف الغامض.
2- مرحلة الغابر الظاهر
اعتمد في هذه المرحلة على التراث الشعبي وعكست أثناءه قصته مسعاه في البحث عن هوية بسبب الإحساس بالاستلاب والقزمية أمام المؤسسات التي صنعها الإنسان، رغم أن الحكايات الشعبية تمتلئ أيضا بالإحساس بالخوف والضعف أمام المصنوعات الخيالية( الجن / الغيلان / البحار..)وطورت القصة بنيانها ملامح خصوصيتها، كم اكتسبت صفة الحس والتحسيس ، ما يجعل أشياءها حية وطازجة. كما تلتقي تقنية التثغير ( تعميق دلالة النص وتوسيعها) مع تجويد البنية ، وقد امتصت بنيان التراث الشعبي المتمثل في التكرار و اللازمة وصيغ البداية والنهاية.
المرحلة الثالثة تتعلق بصياد النعام
وقد يسرت للنظرية القصصية أن تطور سؤال الكتابة الإبداعية حيث أضحت الكتابة تدور حول نفسها مماثلة عمل المرآة، وهو ما قادها إلى فضح لاشعورها، من منطلق تقني يلعب بالكتابة وأوهام الناس عنها لبناء نسق جمالي مستدير يشع بالدلالة ،وأمر نظرية القصة التي تلوح من غائية هذا الكتاب تجد نحو التجديد في هذه المرحلة والتطوير والاكتشاف وإشراك القارئ في الإبداع .
وتستقي النظرية الكثير من نظمها الجمالية من المثل بوصفه خطابا له صيغ توظيف متمايزة، ومن ثم فجماليته تتمثل في كونه:
فهو جزء من اللغة ، لمجرد دخوله الكتابة، مما يزيد دلالته اتساعا وغنى، ويمثل لهذا الأمر بتجربته الخاصة بقصة ” الأعرج يتزوج” حيث الحاج الصامد الخير في مواجهة مع ابنه التاجر المهرب المطفف والخبيث، فيقول “النار تلد الرماد” فالأب نار ولود منجبة ونبيلة مشعة في حين الأب رماد خامد عقيم باهت وغبار.
المثل حياة الشخصية يدخل إلى القصة تلقائيا دون قصد.
تنتفع نظرية القصة بدينامية المثل الذي يحيى في سياق حياتها، يتحول ويعيش بتغير الدلالة من جهة ويتغير الصيغة من جهة أخرى، أو هما معا، أو بتفكيكه نقضا ونقدا أو تحليلا حيث يصبح المثل موضوعا للكتابة لا أداة لها، فيصبح المثل سلاحا وعجينة قابلة للتشكيل.
كما تغتني بوظائفه الفنية المتمثلة في :
الإيحاء بالحياة
التعبير عن الصمت.
اللعب على الدلالة المزدوجة في العناوين(صيام النعام – الغابر الظاهر ).
استغلال أدائه الصوتي.
الصفة السيكولوجية محض ذاتية.
لوظائف سياسية.
هكذا يمكن المثل من الرفع من الأداء الفني للقصة مساهما بنسجها، فهو يدخل الخطاب الأدبي كما يدخل طفل روض الأطفال حيث يخرج من فردانيته، ويلتقي أطفالا آخرين، وحيث يلعب ويتعلم وينمو ويتحول.”16
وعزز تصورها النظري من خلال النظرات النقدية في مسار القصة المغربية التي تعزز صورتها فقد اعتبرها طفلة الأدب من سماتها صغر الحجم وقصره ولكنها كبيرة من الداخل بأحلامها وطموحاتها باختزالها العالم بتمثلها لكل أجناس الأدب ولا شعوره إذ تحفل بما لا يقال.
وهي طفلة الشخصيات بسبب ولع كتابها بالأطفال كشخصية أدبية على خشب القصة فيؤولون بطريقتهم الخاصة عالم الكبار الجاد والعابس والوقور، وفي كتابها شيء من الأطفال لأن يتفاعلون مع المحيط، دون عقد حيث يأتون بشخصيات الهامش، القصة صوت من لا صوت له.
وسماها طفلة الفضاء حيث فضاؤها الطبيعة والمدينة والناس والأفكار، كل ذلك يخل مهتزا ومقلوبا عما هو عليه في الواقع، الكبير يصغر و الصغير يكبر، كما سماها طفلة اللغة لأنها تكتب لغة ناقصة وبجملة غير كاملة الدلالة وتتلعثم وتسمي الأشياء بأسماء غيرها شبيهة بوضعه و دهشتها الطفولية ، فالذاكرة إذن هي محبرة القصة التي سماها الطفلة الخالدة لا تكبر ولا تموت أبدا تقضي وقتها في اللعب وتقفز فوق الحواجز.، وقد تتعزز نظرية القصة بمجهوده النظري المسمى نظرية التلويث، فالقصة من خلاله هي حالة من حالات التلويث رديفة الإبداع التجريب والتثوير والتثغير الذي يوصلها أعلى عليين كتابة عددها في كذا وكذا صفة تتواشج في :
القصة ضد الوضوح ولذلك تصيبه بالتأزم والقلق من القيم الزائفة والمواضعات الفاسدة.
القصة تخالف الفصاحة القاموسية وتخلق لغتها الإبداعية الخاصة
هي ضد الجزم واليقين والحياد والدغدغة وترفض الوعظ.
القصة ترفض الصنمية والنهايات المتفائلة والحيل الفنية المكشوفة والمحجوبة وهذا ما يجعلها ترفض النموذج أيا كان.
القصة ترفض الواقع البشري بحيله وخبثه وتقف في وجه الناقد الذي يؤمن بسلطة المنهج.
وهي في اختياره ذلك تعادل ميلان المجتمع واعوجاجه، وامتلائه بكل الظواهر المرضية، وكل شيء مقلوب من ثم فلا طائل وراء الكتابة الأنيقة.
وقد تتبع الباحث أحمد بوزفور سمات القصة المغربية وسيرورة ملامحها وصيرورة تحولاتها من خلال مقاله ” الدخول إلى فريواطو قراءة في ملامح القصة المغربية في السبعينات” فاكتشف أنها اكتسبت نسقا داخليا تتمثل ملامحه في :
1- الغوص في الذات الشخصية للكاتب حيث مستويات الحلم واللاشعور، ويمكن رصده من خلال محورين هامين:
المحور الأول: الطفولة
حيث الكلمات عضة طرية بريئة ودخلت الطفولة في القصة كموضوعات وصور ورموز وحنين، وذاك رد فعل على التهميش الاجتماعي للكاتب طبقة وفئة ومهنة فردا.
المحور الثاني: الجنس
كان توظيف الجنس تعويضا عن الفشل الواقعي وعن الخيبات والرغبات المكتوبة، غير أن استثماره في القصة عاد إلى تصحيح النظرة إليه باعتباره عن تصور ذاتي وموضوعي ودخولا عميقا إلى الذات واستحضارا للكامن وموقفا من القهر والكبت.
2- الدخول إلى الذات الجماعية الثقافية:
العودة إلى البادية : الأصل الذي يمنح الأمان والشعور بالانتماء
التراث شخصيات يعبر بها عن تصور خاص للحاضر : أبو ذر طارق بن زياد فتصبح أكثر إثارة للدهشة.
الأدب الشعبي وفيه حكايات الجن والغيلان والأبطال وهي كنور الشمس كنز وملك جماعي نحس فيها بالهوية قبل أن نحس بجماليات الفن، فالأدب الشعبي أدب الضعفاء والمقهورين.
3 - الدخول إلى الذات اللغوية
شعرنة اللغة تتصل بالدخول إلى الذات والتصرف فيها كإبداع وامتلاكها بحرية، ولذلك تتعدد مستويات العامية بمزيد من التثغير.
1- الدخول إلى الذات الفنية: ويتعلق الأمر بالدخول إلى القصة من خلال :
- الخيانة : رفع الحدود بينها وبين بقية الأجناس الأدبية، فقد تتباين عناصرها في الحضور والغياب.
- المرآة: وتتمثل في نظر القصة إلى نفسها، قصة تحكي عن كيفية كتابة قصة أو قصة شخصيتها قصة أخرى.
ولاستيفاء نظرية القصة في التشكيل يتابع ظلوع الشعر في نسج بنياتها، فالقصة في رأي بوزفور جملة فنية، والشعر فيها شبكة من الضمائر العائدة المتصارعة فحاول مقاربة ذاك الاشتغال من خلال ثلاث زوايا:
أ – الإيقاع الذي يتكئ على:
1- الميلودراما: ترديد الأصوات وتكرارها ولعلة الكلام كالأطفال.
2- الهارمونيا : توافق الوقفات والفواصل والأصوات المتجانسة.
ب – الإيحاء: يتيح الشعر في القصة ميلاد سعة الدلالة وشيوعها المتعدد واحتمالات التأويل لعناصر القصة كصيغة الشخصيات الملتبسة الهوية أو بتكرار لازمة أو مكان عارض أو طرفة أو لمحة أو صدى كغيره أحفل بالسر وأخفى، كما يمكن أن تمتلك القصة تشكلا مضاعفا ذا طبقات فالقارئ ملزم بالغوص على المعنى بالغ الغور، ويتعقب غوايات القصة بلا هوادة ، كما أن تراسل الأجناس أدعى لبؤرة الإيحاء على التوالد والغور،ويخلص الكاتب أن حضور الشعر في القصة داع للمكر والشيطنة والخروج الصبياني عن الأنظمة والولع المرضي بالفوضى والنشاز والبناء الناقص، ذلك أن كمال القصة عنده هو توازن نقائصها.
تحتاج القصة التي استوت نظريتها أذرعا سبعة لها تجليات ووسائل حياة، إذ أن استمرارها قد يصل حدود المستحيل في غياب هذه الأذرع التي تمدها بماء الحياة وتيسر لها شروط الأمان في العيش، ولكنها قد تكون أحيانا أذرعا أو ذراعا يحجب بعضه بعضا، ما يسهم في تكريس أمن مبتور شبيه بالكساح.
فالذراع الإيديولوجية ذات حضور كثيف وتلقائي وعلني تتدخل بالمنع والإكراه، ولها نفوذ طاغ على باقي الأذرع حد إخفائها.
والذراع النقدية لها صلة بالجنس الأدبي والنصوص النماذج وإكراهات آفاق انتظارها.
ذراع القارئ تتكامل مع الذراع العائلية،إذ وإكراهات القارئ لها مطالب لا تختلف عن إلزامات العائلة للفرد، التي تسرق منه جوهر حياته وتكبح تحركاته، ولا تختلف الذراع السيكولوجية عن الذراع اللغوية في رقابة الوعيين معا رقابة ماكرة تتلون بألوان مختلفة على النص وعلى الكاتب.
وقد تصيب ذراع الزمن الكتابة القصصية بلعبة انحدار الكتابة وموت العبقرية وانطفاء النجوم وبطغيان الضحالة وصعود السخافة .
ولذلك حق للكاتب أن يضرب عن الكتابة أمام هذه الأذرع الملزمة احتجاجا على كثرة الممنوعات، غير أن مجرد الوعي بهذه الأذرع خطوة نحو الإفلات.
تغتني نظرية القصة بقيمة المكان، حيث إن حضوره له تجليات تعكس رؤية المبدع له، فأبرز بعد استعراضه لمفهوم المكان في الإبداع المختلف والمتعدد فيه.
وترى نظرية القصة أن المكان في الإبداع صورة حية تخلد الطبيعة والحركة الاجتماعية في الواقع هو رؤية المبدع وموقفه مما يراه.
وهو في النظرية حياة تنفلت من أيدينا حين نتحدث عنها مثل كل أشياء الحياة التي لانتذكر منها إلا المؤثر كالجهير من الأصوات من الأصوات أو الأبيض من الألوان ولون الفضيحة الأحمر، والمكان في الإبداع عيش ووعي الجسد الحي طبيعة، والإحساس به فن وحضارة
وهو طبقي إذ هناك مكان سيد وأمكنة خدم تهيئ له وتبرزه، وتعيش عواقب ظهوره بعد أن يغضب. فالمكان يصبح أبا يصبح جرما يصبح رمزا.
أما القسم الثاني من الكتاب فقد عنونه: عن الرفيق، إذ باشر فيه نصوصا مغربية لكتاب كانوا على الطريق قبله، مثل محمد زفزاف ومحمد برادة وإدريس الخوري، ومنهم مجايليه كأحمد المديني وأحمد زيادي ومحمد الأشعري، ومنهم اللاحقون كعبد النبي دشين، ومنهم من يتأهب للانطلاق كخديجة اليونسي.
وقد حاول تبين الاشتغال السردي في بعده القصصي كما لاحق صورة الواقع وتجليه ونواحي الصنعة وطفرة الإبداع القصصيين، فقدم صورة لما يشبه النقد المنتج المجافي للنقد الإخواني أو المجاملات. كما أنه مارس اجتهادا ظاهرا خلص نصه النقدي من صرامة المنهج وعقمه مبسطا مفاهيمه،معددا مداخله النقدية لقراءة المجموعات.
فعند محمد زفزاف يرصد صورة الواقع في مجموعة الأقوى البشع، حيث الإنسان مسالم وبسيط تلجئه علاقة القهر المركبة إلى حافة الانفجار وأغلب الشخصيات من الطبقات المسحوقة مقموعة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا. مستعملا لغة ذات زي شعبي مشحون بالواقع مختزنة سخرية شفافة تترقرق في الوصف والحوار.
فإذا كان المواطن قد أعطى للسلطة كل ما يملك: لقمته وحريته وفرحه فإنه حين جاء إليها في القصة الأخيرة “المركز الصحي” يطلب منها خدمة بسيطة، هي مسؤولة عنها، احتقرته وخدعته بالحقن والأقراص وطردته إلى خارج المركز الصحي ، ليموت تحت المطر والبرد في المستنقع.
وفي مجموعة سلخ الجلد لمحمد برادة يبدو الواقع متجها من الخارج إلى الداخل في مراحل أربع:
مرحلة المجابهة: وتكمن في العوائق الطارئة، حيث التردد والاختلاف سمة الطبقات والأفراد جميعا.
مرحلة الموجهة: وتجري بين المثقف والطبقات الشعبية مكتشفا حرارتها وصدقها وخرافتها ومفاسدها.
مرحلة التشريح: وتتعلق بالدخول إلى الذات للبحث عن العلة ليس بؤس الواقع الاجتماعي فقط، بل أيضا في العجز عن الحركة فيه، وقد سعى البحث للاقتراب من أسراره.
مرحلة الفرز: يتجه فيها الإبداع من الخارج إلى الذات لتشريحها وفرز عناصرها، وفي السرد توق إلى الخروج من الثقافة ودوائرها التجريدية إلى الواقع المحسوس. ويرى بوزفور ان المجموعة اتسمت ب:
1 – خضوع السرد للاقتباس والتضمين واقعيا أو متخيلا ( الشعر / الآراء /الأقوال / الرسائل / الأمثال ..)
2 – الحركة الدائرية للسرد
الاتجاه من المجرد إلى المحسوس، التوق إلى البساطة، التوق، إلى الإحساس الجاد بالعالم
الاتجاه إلى الجماعة ،حيث الشخصية تخرج من عزلتها متجهة نحو الجماعة، ومثل ذلك بحال المعلم والرأس المقطوع.
وبنى قراءته لمجموعة إدريس الخوري ( مدينة التراب) على ثلاث ملاحظات مختلفة.
فالملاحظة الأولى عامة ترتبط بالنقد القصصي الذي كان في أوله سجاليا منفعلا يرى صلتها بالواقع بمعايير لا علاقة لها بالكتابة رغم أنها كانت في بدايتها تبحث عن نسب، وبعد أن ابتعد نهرها عن المنابع وحفر المجرى وتعددت تياراته، ظهرت قراءات وصفية محايدة وباردة قراءة بالقفاز، دون إنطاق للنص، ويشدد على ضرورة تنوع النقد وتطوره واتساعه وإنصاته لنبض الإبداع أسوة بالقصة.
وفي الملاحظة الثانية انكب على عمل الخوري، فانتبه أن قصصه تتسم بصفات فنية لعل أبرزها الخروج.
الخروج من البيت( اختيار فضاءات عامة )
الخروج من الطبقة ( الانتقال من وضع معيشي لآخر )
الخروج من الحال القصص حيث الانتقال من حال ميلودرامي إلى نوع من الإبعاد البريختي
الخروج من قصة إلى مؤلف آخر.
“ “ “ ” القارئ.
أما الملاحظة الخاصة وتتعلق بالجانب الغائب الحاضر وتتعلق لقصص الخوري :
أ – الغائب الفوقي الضاغط أو السلطة.
ب – الغائب التحتي المكبوت وهي الذات الفردية كصورة المرأة والرجل والطفل.
ونخلص إلى أن القصص عند الخوري تضمر عجزا عن الفعل عن الجن سعن التواصل ، ويوجد دائما مع هذا الضعف عزاء للحفاظ على تماسك الذات وعلاقتها بالآخرين وه والمكابرة، وتتمثل في السخرية.
أما باروديا الحنين فقد استهدف بها اشتغال القصة عند المديني في مجموعته (رؤيا السيد سين ) حيث استهل بالتعريف بالكاتب ونشاطاته الثقافية ورصد ملامح الغلاف الجمالية، ليقترب من الشخصية القصصية كما يقترحها المديني في هذه المجموعة.
فرصد الحنين والشعور بالاشتياق الذي تضمره شخصياته إلى الماضي الجميل إلى فضاءات عاشت فيها أو أشخاص معينين ومثل لذلك من قصصه وشخصياته ، مبرزا أن هذه السمة لها صلة بكتابات المديني الملأى بالقلق المستفز والإحساس العصبي المتوتر والانتقاد الساخر ثم انتقل إلى موضوعة التعبير القصصي ، فرأى الباحث أن الحنين يتم بانتقاد الحاضر لا استرجاع الماضي معتمدا قرائن فنية:
التكرار – والتعميم الأيديولوجي – فلتات اللسان- الانتقاد الصريح للعبارة المسكوكة- التساجع.
حيث اشتغل على المسافة بين الواقع المتخيل مشارفة حدود الجرجاني، ثم تساءل في الأخير عن ماهية السيد سين.
أما في الإنجاز القصصي لأحمد زيادي المعنونة بالعصا من الوسط التي انصبت حول مجموعة خرائط بلا بحر
فقد سعى إلى رصد المكون الديني في انفتاحه وتسامحه ووداعته ومقاصده ثم المكون الوطني والمكون الاجتماعي القائم على تأمل الواقع عوض الانفعال.
وعلى مستوى البناء الفني استغلت المجموعة عددا من التقنيات منها:
التنسيب : ويتجلى إبراز نسب النص أو غرسه في بيئته.
التطفيل : جعل اللغة تتحدث عن الطفل أو إلى الطفل .
التقابل : بين طرفين أو موضوعين.
المراوحة بين الشعري والحكائي : حيث تطغى أحيانا لغة شاعرية مكثفة، وأحيانا شفافة حاكية تتحدث عن الأطفال والعصافير، وكتبت بمهارة.
وفي إطار رصد مستويات التخييل في المجموعة القصصية” يوم صعب “ لمحمد الأشعري تتبع الباحث اشتغال المتخيل في ثلاث مستويات:
الواقع المتخيل: تنبت فيه الموجودات القصصية وتستمد نموها، إذ يخرج المتخيل من البادية .
الحلم المتخيل : يستكشف متخيل الأحلام في المجموعة القصصية .
الإبداع المتخيل : وفيه نرى أن الأشعري يفكر بأشكال مختلفة في موضوع إبداعه أو مادته.
وتتواشج أنواع المتخيل تلك بعلاقة دقيقة ملتبسة، من مظاهرها:
مرارة السياق الذي ترصده المجموعة بجيل أزهر في الزنازين/،وواجه خصما قويا بطموح مثالي وأدوات ضعيفة.
القلق والتبرم والضيق من المحيط.
تطريز المتخيل بروح شعرية عالية تسري في عروق النص، ولا عجب في ذلك فالقاص شاعر.
كما حاول تبين كيمياء التفاعل في مجموعة ع النبي دشين ” رائحة الورس” بين قصص مجموعته والمناخ الحداثي الذي تتنفس فيه، وتتميز بملامح فنية ،منها:
الإحساس الوجودي الدقيق بالمحيط.
لغة السرد التي اتكأت على العجائبية والسينما وتفتيت السرد .
الطفولة الرافضة لعالم الكبار الذين يشربون من دموع الأطفال، ومن ثم فهي طفولة الخريف/ الغروب.
وختم مقاله بثلاث أسئلة حول:
طبيعة الصراع بين الشرق والغرب: هل القصة قادرة على التقاط هذا الأمر الأيديولوجي؟
عن جدوى الاستعانة بالنصوص الموازية وتداعيات صلتها بالمتن وحدود التداخل والتخارج بينها وبين النص.
عن غريب اللغة و الحوشي من الكلمات التي جاء بها من المعجم القديم.
كما خص الأستاذ بوزفور طلبته بقراءة لنصوصهم، ولعل شيم البرق أول تلك النصوص حيث انطلق في حديثه من النظر إلى الموضوع بتقسيم المقال إلى محورين:
القصة سرد:
فحاول التعريف بمفهوم السرد ومقارنا علاقته بالزمن من خلال :
كيف تتحكم اللغة في الزمن؟
كيف يتحكم الزمان في اللغة؟
ذلك أن اللغة في السرد القصصي تقع بين طرفين، يمكن أن نسميها بالسرد النثروي والسرد الشعروي. 16
ومن آثار السرد النثروي مضاعفة الفصحى وكذا مضاعفة الدلالة بالمرادفات غير الموظفة والخوف من البداية واستغباء القارئ وغير ذلك
القصة حرفة فقد اكتشف تقنيات حرفية في نصوص الطلبة قيد القراءة ومنها:
تقنيات الإسقاط واللون والحرف والعنوان وإسقاط الجدار الرابع.
وقد خص الباحث قصة فريدة التلميذة خديجة اليونسي بقراءة مفعم بالتفاؤل بهذا الجديد الذي يشكل نموذجا لبعض ما جد في مجال القصة القصيرة من مداخل المستويات : ( الدلالي والرمزي والنصي) حيث لامس حدود الإبداع والجدة في اللغة والتقنيات التي صاغت بها قصتها تلك، فضلا عن إحكام البناء وربط الأجزاء بعضها ببعض، ولاشتغال على اللغة من خلال: استثمار عناصر الإيقاع والتكرار واللعب الوظيفي بتراتب عناصر الجملة وما يزال في القصة إمكانات قرائية أخرى.
ويتكون القسم الثالث من الكتاب من حوارات مع كتاب قصة شباب ظهروا في تسعينات القرن الماضي وقد أوضح في تقديمها لها مبررات وجودها وأهميتها بالنسبة للمشهد القصصي.
هكذا حاول الأستاذ أحمد بوزفور القصاصين الآتية أسماؤهم:
عبد المجيد جحفة ومصطفى جباري وسعيد منتسب وسعيد بوكرامي وعبد العالي بركات وعائشة موقيظ وعبد السلام الشرقاوي، وهم ثلة من القصاصين برعوا في مقتبل التسعينات أصواتا نوعية ذات فرادة وإضافة حقيقيتين للإبداع السردي العربي والمغربي خصوصا، وقد اختلفت الأسئلة التي طرحها على كل واحد من هؤلاء حسب طبيعة الصيغة التجريبية التي ينسج بها القاص حكايته، فالاتفاق تم فقط على قاعدة الانخراط في توسيع الهوة بين الدال المدلول والرفع من الجمالية السردية للقصة، والإمعان في إعلاء سؤال الكتابة بكل الممكنات اللغوية والتخيلية، والتي لا تتعالى على شرطها التاريخي. مما جعل قصصهم في العمق تحترف الإنصاتَ للخلجات الدقيقة، وتَسَقَّطَ الهوامش والأقاصي، والمسكوت عنه. ورَصْدَ المفارقات واقتناصها.17
فتنوعت أسئلته لتطال دواعي الكتابة لدي القصاصين الشباب وبنيات القصة وتشكيلها فضلا عن صيغتها التي قد تنحو جهة التهجين، فتصبح الأجناسية موضع سؤال حاد. كما طرح على بعضهم سؤالا حول مصير القصة ومآلها بعيد اتشاحها بسمات الشعر وجرعاته القوية، فقد تتحول قصيدة بزي نثري، كما لم يغفل تشغيل السخرية وتوظيفها لكسر جدية السرد وخطية الحوار، حيث يمكن أن تشتغل الميتاقصة بأدوات السخرية، ومادامت الكتابة دافعا ذاتيا في الغالب فإن المواضيع المثيرة لكاتب ما لابد و أن تكون مخالفة لغيرها عند قاص آخر، بسبب شرطه وسياقه. كما أن الأستاذ بوزفور سأل بوكرامي مثلا عن طبيعة علاقته بالموسيقى و صفة تأثيرها عليه.
لم ينس أن يسأل عن المعاطف التي خرجوا منها ، إذ لا يمكن أن يأتي القاص من أرض خلاء كنبتة برية ، وكذا النصوص التي أثرت فيهم ودفعتهم دفعا للكتابة، وهو ما يعني كيفية تواصل القصاصين مع مجالات قراءاتهم.
فضلا عن ذلك تناولت أسئلته صلة التخييل القصصي بالوقائع الشخصية، وهو ما يبرر الحاجة إلى الكتابة وصلتها بالجسد .
وقد التفت بوزفور إلى صلة كثير منهم بالشخصيات التي يتم توظيفها، واللغة التي يكتبون بها وهيمنة تقنيات بعينها على غيرها،وكثير من الأسئلة الشخصية الصلة الرفيعة بعوالم الكتابة .
لقد جال بوزفور في حدائق سرد القصاصين الإبداعي، وقلب هويتها الكتابية ليتبين كثيرا من الأمور الفنية التي له ارتباط بين بعوالم الكتابة وخرائطها.
لعل بوزفور بكتابه الماتع هذا يكون قد أرسى صيغة منتجة في الكتابة النقدية ذات المزايا المتنوعة، فهو في الكتاب منظرا القصة وناقد ا للقصة ومحاورا مثقفا لثلة من المبدعين ذوي خصوصية إبداعية في المشهد القصصي.
وختاما لقد سعت هذه المداخلة رصد معالم الصفة النقدية والتنظرية في شخصية الكاتب أحمد بوزفور من خلال مؤلفين متباينني الهوية التأليفية، غير أن الثابت فيهما معا هو صفة بوزفور الإبداعية ومرونة نقده أو أدواته، كذا عمق البعد المنهجي وإجرائية توظيفه في الكتابين معا..
د .عبد العاطي الزياني
عذرا للعلامة المائية البارزة, اضطررنا لذلك بسبب سرقة كتبنا.
للتبليغ عن أي رابط غير فعال, الرجاء إرسال رسالة إلى:
abuabdo101@gmail.com