سحب وتعديل جمال حتمل
إذا أعجبكم الكتاب وقررتم لطشه فحلال عليكم, فقط رجاءا أن لاتحذفوا علاماتنا المائية من عليه, تعبنا حتى حصلنا على الكتاب, قضينا ساعات في سحبه وتعديله. فأقل مايمكن هو أن ننسبه لهذه المجموعة. وشكرا لتفهمكم.
https://drive.google.com/file/d/0Bxu9nt7A-tWSVUptS00zTUxROFE/view?usp=sharing
يعد التاريخ الإنساني منبعا خصبا ــ لا ينضب ــ للإبداع علي مر العصور, وتتزايد أهميته عندما يراد اللجوء إليه للاسقاط علي الواقع المعاش بكل تناقضاته المتنامية...
ولهذا غاص الأديب ميلاد حلمي في اغوار التاريخ وتوقف طويلا في القرن الخامس عشر, وتأمل بعمق وعاد إلينا بمسرحيته محرقة سافونارولا....
صدر ميلاد المسرحية باهداء إلي مصر مستوحي عن شعر دانتي فقال: وامصراه... يا مسكن كل ألم.. وغاية كل أمل.. أهدي حديثي.. وإن كان كل حديث لا يجدي...
تلقي المسرحية بظلالها علي ما نعيشه اليوم من محاولات لاستغلال مكانة الدين في قلوب الناس وتسخيره لتحقيق مطامع تنزع نحو الزعامة أو السلطة الدينية أو لتعويض هزائم شخصية..
بطل المسرحية و الراهب سافونارولا الذي كان يعيش في فلورنسا في نهاية القرن الخامس عشر, وقد اتجه للدير بعد أن لفظته امرأة احبها ورفضته لدمامته... وكل أحداث المسرحية حقيقية واشخاصها لعبوا في المسرحية ادوارهم الحقيقية نفسها
وفي خطوة ذكية من المؤلف اختار ان يضم لابطال مسرحيته ميكافيللي, ولم يقدمه لنا باعتباره القائل: الغاية تبرر الوسيلة, ولكن طرحه لنا بصورة افضل وأرحب عن طريق افكاره الإنسانية التي تتسع لتنادي بالحرية بكل الوانها لجميع البشر وبضرورة إعمال العقل, وإفساح المجال للتفكير الحر ليكون له الرأي الحاسم في جميع أمور حياتنا, وليكون هو الكم والفيصل...
ويمثل ميكافيللي في المسرحية حيرة المثقف في صراعه المستمر مع كل من الحاكم والولاة والكهنة... اما سافونارولا, فقد بدأ حياته الدينية بمحاربة عاتية للخرافات وللهرطقة الدينية التي كانت سائدة انذاك ثم تحول هو نفسه ــ فيما بعد ــ إلي أكبر مصدر للدجل باسم الدين حيث استغل تعطش الجماهير للإرواء الديني اسوأ استغلال, وبدلا من الوعظ لجأ الراهب إلي أخبار جماهيره برؤي غريبة وتنبأ بوقوع أحداث جسيمة, ثم تدخل في السياسة وهاجم البابا والفاتيكان واتسع نفوذه خاصة حتي نادوا به نبيا, وبعد أن تحققت عدة تنبؤات له, وأتسع جمهوره وتكاثر بشدة, وبات من الصعب التفريق بين الامور الدينية والامور الدنيوية, وكانت الكنيسة تشهر سلاح التحرير الكنيسي ضد معارضيها انذاك, ويعني الحرمان من دخول الجنة والعيش منبوذا والموت حرقا...
طالب سافونارولا الشعب باعداد محرقة كبيرة لتطهير البلاد, ولحرق كل ادوات اللعب والمجون ويشير المؤلف إلي مغارقة غريبة, وهي ان كثيرا من العلمانيين الذين لا يؤمنون بالأديان قد انضموا إليه وايدوا حركته..
توضح المسرحية مدي انتهازية الولاة حيث تركوا سافونارولا يتمادي في نشر الخرافات ماداموا مستفيدين منها, ثم انقلابهم عليه عندما بدأت شظايا الضرر تصل إليهم, وتهدد مكاسبهم وامتيازاتهم التي تمتعوا بها دون سائر أبناء الشعب.
أخضع سافونارولا قراءته للانجيل إلي تحليلات مغرضة لخدمة توجهات سياسته ولتقسيم الجبهة الوطنية, وانتهي امره بالموت حرقا, ولم يستطع النيل من اعدائه, والذي دعا إلي حرقهم, ولم يستطع النيل من اعدائه, والذي دعا إلي حرقهم وخرم السنتهم!! حيث كان العنف سائدا في هذه الفترة لمقاومة المعارضين في الفكر بدلا من مقارعة الفكرة بالفكرة ومنازلة الادلة بالبراهين..
فالدين لا يصح أن يفرض علي الناس, ولا أن تلغي عقول الناس في سبيل ذلك, فلا مفر من الافتناع التام بالدين, والذي يحترم في جوهره عقول الناس, ويدعوهم إلي التفكير الحر وإعمال العقل بينما يتناسي ذلك المتاجرون بالدين لتحقيق المنافع الشخصية علي مر الازمان.....
ونري من خلال القراءة المتأملة للمسرحية بأن التاريخ يكرر نفسه وبصدق المقولة الشائعة: ما اشبه الليلة بالبارجة, وبأننا لا نتعلم من دروس التاريخ ونستخف بها ولا نعطيها ما تستحق من الاهتمام, ولو فعلنا ذلك لنهضنا بأنفسنا ولتغير حالنا كثيرا..
وهل يصدق أحد اننا ونحن في القرن الحادي والعشرين مازال البعض منا يردد دعاوي الراهب سافونارولا في القرن الخامس عشر بضرورة بقاء المرأة في البيت وعدم مغادرتها له, وبتحريم الغناء والموسيقي وبقصر التعليم علي التعليم الديني وحده, وباعادة تفسير النصوص الدينية لخدمة اهداف دنيوية...
بدا ميلاد حلمي مغرما باستخدام الجناس اللفظي لاحداث نوع من الموسيقي الخفية في حواراته, وقد نجح في ذلك إلي حد كبير, وللمزيد من اضفاء الواقعية ضمن المسرحية بعضها من خطب سافونارولا ينصها...
ويعد الصراع بين المثقفين والمنادين بالتشدد الديني بمثابة الهاجس الأدبي لدي ميلاد حلمي, حيث ظهر ايضا في روايته الناموسي ومنها كانت مساحات البوح تتأرجح بشدة بين الاتساع حينا, والإنكماش أحيانا.
ونتوقع من الاديب ميلاد حلمي عملا ابداعيا يروي فيه تجربته ــ كاملة وغير منقوصة ــ كإنسان مصري نشأ في أقصي الصعيد ثم اختار في شبابه ــ بملء ارادته ــ الهجرة الي فرنسا, والكشف عن التناقضات التي مازالت تموج بحدة بداخله ما بين ماض يحن إليه ويرفض ــ بوعيه ــ الانسلاخ التام عنه ــ وهو ما يتضح في اعماله الادبية ــ وواقع لا يحبه سواء كان في الوطن أو في الغربة حيث ينتمي بعقله, وليس بوجدانه........
نجلاء محفوظ - أرشيف الأخبار العربية