أهواء المثقف العربي والعراقي اللاعقلانية، وهذا ليس عيباً، بل قد يبدو ضرورة في أحيان كثيرة، ذات مخاطر غير محدودة النهايات، حين تدخل بهو الفعل والنشاط السياسيين. المثقف العارف بمقدار الفاصل بين أهوائه وبين التزام العقلانية في الفعل السياسي المسؤول، يقدر بالتأكيد على الانتفاع من حرارة الأهواء، وتوليد عاطفة نافعة. ولكن التجربة الطويلة مع إسهامات المثقف العربي والعراقي في الفعل السياسي، والايديولوجي، أثبتت العكس تماماً.
تحول النص الخيالي، والنص النظري، بين يدي المبدع والدارس الى يوتوبيا، مثقلة بقناعة قابليتها للتطبيق العملي. صار الشاعر، بدل السعي للكشف عن التباسات الشرط الإنساني، وإضاءة الأركان المعتمة، أو نصف المضاءة في الانسان، يسعى على النقيض الى فرض حلول سحرية بقوة الكلمة، داخلاً المعترك الأرضي، يداً بيد مع المغامر السياسي، لتطبيقها. طبعاً عادة ما يكون الشاعر أو الكاتب الخيالي، لضعف تأثيره العملي وضعف حيلته، مع السياسي، أو تحت ظله، أو خلفه، يزوّده بدفق المشاعر التي يفتقدها الأخير، ثم مع الأيام يجد نفسه وقد تقزّم الى مؤيد ومطبّل، للسياسي الذي استلم زمام السلطة.
حدث هذا بصورة غاية في الملموسية والتاريخية مع ثقافة ورؤى البعث القومية، والثقافة المعارضة لها في العراق. خرج الشاعر الذي لا يرى إلا "جنةً عرضها الوطن العربي"، معززاً بالشاعر المعارض له الذي يراها جنة " بذلة العمال الزرقاء". وبدأت معهما مخاضة الدماء، التي انتهت بصعود الدكتاتور.
أكثر من نصف قرن لم يترك فيه هذا المعترك الدامي بين الأهواء الثقافية، التي أخذت لبوس السياسي ونزلت الى الشارع، فرصة لرئة العربي والعراقي للتنفس الصحي. وكما ابتنى معترك الأهواء اللامسؤولة سلماً لصعود الدكتاتور، كذلك ابتنى الدكتاتور سلماً لبلوغ نهايته المحتومة.
هذه أوراق بمثابة يوميات، كنت أكتبها في جريدة "المؤتمر" المعارضة، التي تصدر في لندن. يوميات تتأمل، داخل المساحة الزمنية المتبقية للدكتاتور، خطوات الزمن باتجاه نهاية الكابوس.
أو
No comments:
Post a Comment