Showing posts with label جونيشيرو تانيزاكي. Show all posts
Showing posts with label جونيشيرو تانيزاكي. Show all posts
Monday, December 27, 2021
جونيشيرو تانيزاكي, الحبيب السالمي - مديح الظل
دار توبقال للنشر, الدار البيضاء 1988 | سحب وتعديل جمال حتمل | 57 صفحة | PDF | 5.34 MB
https://archive.org/download/20211228_20211228_0048/%D8%AC%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%B4%D9%8A%D8%B1%D9%88%20%D8%AA%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%B2%D8%A7%D9%83%D9%8A%2C%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A8%D9%8A%D8%A8%20%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%20-%20%D9%85%D8%AF%D9%8A%D8%AD%20%D8%A7%D9%84%D8%B8%D9%84.pdf
يقودنا كتاب «مديح الظل» -العصي عن التصنيف من حيث جنس الكتابة-، للكاتب الياباني «جونيشيرو تانيزاكي» إلى استكشاف يابان لا نعرفه، ولم نسمع به وهو بالضرورة غير مطابق للصورة الرائجة عنه.. إنه اليابان الفريد بقيمه وتقاليده والموغل في خصوصيته. يابان لم يتملكه هاجس التكنولوجيا ولم ينخرط في حداثة الغرب كما نتوقع. تانيزاكي يتشبث بكل ما هو قديم وغائر في رحم الحياة اليابانية الأصيلة، ويستعيد فسيفساءها الصغيرة والكبيرة، من عمارة البيت الياباني وتنظيم فضائه الداخلي الى أواني الطعام والمزهريات والشمعدانات وأجهزة الإضاءة والتدفئة إلى اللباس والموسيقى وطريقة تبرج النساء والشعر والمعاني الخبيئة في حب التعايش في بيئة تتماهى معه.
يتساءل تانيزاكي : أي شكل سيتخذه المجتمع الياباني لو لم يتبن أدوات الغرب..؟ ماذا يحدث لو نشأ الطب الحديث والهندسة الحديثة في اليابان؟ أي منحى سيسلكه الفكر لو كان مخترع قلم الحبر يابانيا أو صينيا؟.. يتساءل تانيزاكي ثم يجيب.. لو حدث ذلك لسار اليابان في اتجاه مغاير نحو عالم مختلف يناسب طبع الياباني ويثري خصوصيته في كل مجالات الحياة.
لكن تانيزاكي يدرك جيدا أن هذا النوع من الأسئلة ليس سوى تخيلات روائية.. إنه يعرف أن اليابان قد انخرط في إيقاع الثقافة الغربية، ويعترف بأن «منافع الحضارة المعاصرة لا تحصى»، ولهذا فإن كل ما يريده هو إحياء عالم الظل ومحاولة الحفاظ على ما تبقى منه كي لا يضيع في صخب التكنولوجيا ودوي الحضارة المعاصرة.
يتحسر تانيزاكي على حواجز السوجي التي كان اليابانيون يستعملونها لإغلاق بيوتهم والتي استبدلت اليوم بأبواب زجاجية، لقد كانت ألواحها الرقيقة التي يلصق عليها ورق أبيض كثيف يعبر منه الضوء ولا يخترقه البصر تمنح الناظر إليها متعة متجددة.. كما يشير إلى المدفأة القديمة التي استبدلت بالمدافئ الكهربائية، حيث تسبب الانقطاع عن مشاهدة أشعة النار الحمراء في أن زال سحر الشتاء وفقدت الحميمية العائلية قيمتها بسبب ذلك.
مديح الظل يعلمنا أن الطبيعة تجبر المرء أحيانا أن يتناسى الشكل، لأنه يشعر مهما كانت قدرته على التحمل أن الأيام التي ينزل فيها الثلج باردة حقا، لكنه يعود ويتساءل، ماذا يمكن أن تكون أشكال المجتمع؟ وإلى أي حد يمكن أن تكون مختلفة عما هي عليه اليوم لو أبدع الشرق والغرب، كل على حدة، وبشكل مستقل حضارات علمية مختلفة؟. لهذا كانت المقاربة التي يعتمدها تانيزاكي، مقاربة مبدع ترتكز على تجربته الشخصية وعلى تخيلاته وحدوساته أكثر مما ترتكز على المناهج والتحاليل الأكاديمية الباردة، مما أشاع في النص حرارة إنسانية، ومنحه نكهة خاصة.. فهو يتحدث عن منـزل أراد أن يبنيه على الطراز الياباني القديم، لكنه اصطدم بعنف مع ما أتلفته الثقافة الغربية في نظام العمارة اليابانية، فحينما تحدث عن المراحيض اليابانية، انتابه إحساس قوي بالميزة النادرة للعمارة اليابانية، ويرى أنها بلغت ذروة الرفاهية في بناء المراحيض. وللمفارقة فقد وجد أن موقف أجداده الذين كانوا يضفون بعدا شعريا على كل شيء في تحويل المكان الذي يفترض أن يكون بسبب استعماله أكثر الأماكن قذارة في البيت إلى مكان ظريف، أكثر حكمة إلى حد بعيد بالمقارنة مع موقف الغربيين الذين قرروا عمدا أن المكان قذر وأنه يجب تجنب حتى مجرد التلميح إليه أمام الناس.. تانيزاكي يتحدث هنا عن المراحيض التي ابتكرها أجداده لسلام الروح، فهي توجد دائما بعيدا عن البناية، في حماية أجمة تنبعث منها رائحة أوراق الأشجار والطحالب، حيث ينغمس المكان في ضوء السوجى الناعم، وحيث نوع من الظلمة ونظافة تامة وصمت عميق يتيح سماع صوت المطر الرهيف وهو يهطل، ويلائم أزيز الحشرات وزقزقة العصافير والليالي المقمرة. إنها بتعبير تانيزاكي أحسن مكان لتذوق كآبة الأشياء الموجعة في كل الفصول الأربعة.
مملكة الظل، التي اكتشفها اليابانيون القدامى.. أسرار الظل وقوانينه، إنها فلسفة أكثر ما هي رغبة تائهة، وخلافا للغربيين المهووسين بالضوء، برع اليابانيون في استخدام الظل، واستطاعوا أن يجعلوا منه عنصرا جماليا أساسيا يتفرع عن مفهوم مهم للحياة القائم على العدم والفراغ.
يقرر تانيزاكي أن أجداده كانوا يعتبرون المرأة كائنا ملازما للظل ليس لاعتبارها كما مهملا، ولكن لما في الظل من جمال ساحر.. كانوا ينظرون إليها على غرار الأشياء المطلية بالذهب أو الأشياء الصدفية. ويجتهدون قدر استطاعتهم في إغراقها تماما في الظل.. وهذا يفسر استعمال الفساتين ذات الأكمام الطويلة والذيول الطويلة والتي كانت تحجب بظلها الأيدي والأقدام. وبحيث يكتسي الجزء الواضح الوحيد من الجسد أي الرأس والعنق. أن جسد المرأة اليابانية بالمقارنة بجسد المرأة في الغرب أكثر بشاعة، ولكنهم بهذه الطريقة ينسون ما هو غير مرئي بالنسبة لهم، ويعتبرون أن ما لا يرى إطلاقا غير موجود، كما أن الذي يريد أن يرى بأي ثمن هذا القبح لا ينجح إلا في تدمير كل جمال.
إنه يعتبر ان بياض الانسان الأبيض بياض شفاف وبديهي ومبتذل، بينما بياض تلك المرأة اليابانية هو بياض منفصل نوعا ما عن الكائن البشرى.
في النهاية يتساءل تانيزاكي.. لماذا يتجلى هذا الميل إلى البحث عن الجمال في الظلام بمثل هذه القوة لدى الشرقيين فقط؟.. لقد كان الغرب هو أيضا يجهل حتى الفترة الأخيرة الكهرباء والغاز والنفط، بيد أنه لم يشعر أبدا برغبة في التلذذ بالظل.
ويعترف في نهاية الكتاب بأنه لابد أن يكف عن الاحتجاج، فهو أول من يعترف بأن منافع الحضارة المعاصرة لا تحصى، وان الخطب لن تغير في الأمر شيئا، هو يعرف أن اليابان انطلق بشكل غير قابل للارتداد في طريق الثقافة الغربية، بحيث أنه لم يبق له سوى أن يتقدم بشجاعة متخليا عن الذين هم عاجزون عن اللحاق مثل الشيوخ، لكنه يحذر من ضرورة التصميم على أن يتحملوا إلى الأبد حيث أن لون بشرتهم لن يتغير أبدا وبالتالي سيجدون نتائج سيئة سيعانون منها لوحدهم.
ما قصده تانيزاكي في نهاية الأمر من كل ماضمنه كتابه «مديح الظل»، هو طرح سؤال لمعرفة ما إذا بقيت في هذا الاتجاه أو ذاك، في الآداب أو الفنون مثلا، وسيلة لتعويض الضرر. على أنه يقرر في النهاية بالنسبة له، أنه يود لو يحاول في مجال الأدب على الأقل إحياء عالم الظل.
خالد ربيع السيد
Subscribe to:
Posts (Atom)