نيويورك: ألاَ يعودُ اختيارُ هدفِ تفجيرات 11 سبتمبر 1 0 0 2 إلى سنة 8 4 9 1؟ في هذه السنة، توجَّه السيد قُطْب، وهو مُدَرِّسٌ مِنْ أَصلٍ مصريّ، إلى نيويورك من أجل مُتَابَعَة دراساته، وستساهم إقامته، خلال سنتين، في قلب نظرَتِهِ إلى العالَم· إنّ الحالة عاديةٌ، فـنيويورك تُزعِجُ وتحفّز العقول، وتُكَهْرِب المُقاوِلِين والكُتَّاب والفنانين· ولكنّ قطب لم يستخلص من إقامته الأمريكية الدروس التي يُحضِرُها معه المسافر العاديّ· وهكذا وكما كتب في مذكراته التي سَطَّرَهَا في السجن، فقد تنبَّأَ بأن نيويورك أصبحت العاصمة السياسية والاقتصادية والثقافية للحضارة الغربية· لقد جاءه الاقتناع بأنّ هذه المدينة صنعتْ لنفسها هويّة العَالَم المستقبلي· فامتلأ حقدا على كل ما رآه واستشعَرَهُ· وعلى كلٍّ، فإنّ نيويورك بدتْ له كنفيٍ للإسلام، من خلال الفردانية ضدّ التضامن الجماعاتي، تحرير المرأة ضدّ إبقائهن في منازلهنّ، المادية ضدّ الإيمان بما وراء الطبيعة· وخلال إقامته الأمريكية تعرّض قطب لبعض مَظَاهرِ العنصرية التي عارضها بكونيّة الإسلام وشمولية·
فلا شيء، في نظر قطب يمكن أن يتفوق على إيمانه الخاصّ، فـنيويورك ينبغي أن تختفي في نوع من القيامة، هذا ما كَتَبَه في مؤلَّفاته، حين عودته إلى مصر· الإسلامُ وحدهُ لا يزال قادرا على إنقاذ البشرية، المُهَدَّدَة من طرف الانحطاط الأخلاقي الذي تمثله وتُجَسّده أمريكا؛ إنّ هذا الخلاص، يَحُثّ قطب الجيل الجديد من المسلمين المنخرطين في حرب مقدسة جديدة، على الالتجاء إلى العنف·
إنّ قطـب الـذي نفّـذ فيـه النظـام الناصـري أمـرَ القتـل فــي سنـة 6 6 9 1 بالقاهـرة، بسـبب اعتـداء مُفتَـرَض عـلى أمن الدولة، هو مُؤَسِّس التمامية الإسلامية المعاصرة· إنّ كتاباته تلهم الأفعال التي نَصِفُها، في الغرب، بـالإرهابية، ولكن أتباعَهُ، ومن بينهم بن لادن، مفروضٌ فيهم أن يُنقِذُوا البشرية، وهو إنقاذ عبر الإسلام الذي يتمّ تقديمُه بمثابةُ ديانة كونية، وليس فقط ديانة المسلمين·
أو